الانبطاح مقابل الانفتاح
بقلم : ابن المبارك ـ يناير 2006
لم يعد خافياً على أحد مهما كانت ثقافته الجهود المضنية المبذولة من الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل لمحو آثار الإسلام من الكرة الأرضية عبر سياسة النفس الطويل , أو النصر مع الصبر بمفهومنا .
فالمشروع الامريكى لإضعاف القوى العربية والإسلامية مشروع ذو تاريخ طويل وجذور عميقة تسابقت في تنفيذه كل الإدارات الأمريكية المتتالية .
ولقد وضع هذا المشروع خطوطاً عريضة لمستهدفاته أهمها :ـ
1. تفكيك الإسلام ( كدين ) وتحديثه وتحريفه .
2. الفوضى الخلاقة في الدول العربية والإسلامية .
3. التطبيع الكامل مع إسرائيل .
4. تحويل الدول إلى دويلات طائفية .
وارتكز المخطط على ركيزتين أساسيتين :ـ
أ ـ إضعاف الدول العربية والإسلامية اقتصادياً وعسكرياً بحيث تكون المعونة الأمريكية هي المنقذ .
ب ـ أن تعتمد إسرائيل على قوى عظمى دولية , مع الاحتفاظ بها كدولة عظمى وحيدة في المنطقة .
ولقد ظهرت آثار تلك المستهدفات تدريجيا ببعض الدول .. فكان من مظاهر تحريف الإسلام ما يسمى " الفرقان الحق " بديلاً للقرآن الكريم , وما تم من تطوير الناهج التعليمية على الطريقة الأمريكية وخاصة النصوص الأدبية وإلغاء كافة الآيات القرآنية التي تتحدث عن (بنى إسرائيل ) أو الجهاد .
ثم كانت الفوضى الخلاقة وإضعاف الدول العربية والإسلامية بداية من أفغانستان وباكستان إلى العراق ولبنان وفى الطريق مصر وسوريا وإيران .
وعندما نتفقد أحوال بعض الدول العربية أو الإسلامية فإننا نجد عوامل مشتركة وآثاراً موحدة من خلال تلك المستهدفات السابقة .
· ففي السودان مثلاً : أتت الجهود الصهيوأمريكية بنتائج مرضية لهم بعد تولى جون جارانج (المقتول حديثاً) منصب نائب الرئيس السوداني بعد رحلة من الصراعات بين الجنوب المسيحي المدعوم أمريكيا والشمال المسلم الذي لا حول له ولا قوة .
· وفى ليبيا : كان قمة الانبطاح , فبعد الاعتراف بحادث لوكيربى والتعهد بدفع التعويضات الى اهالى الضحايا .. كان الارتماء في أحضان أمريكا لرفع الحظر الاقتصادي الامريكى (الدولي) عنها .. ثم كان الاستهزاء بالقضية الفلسطينية والتقدم بمقترح لجامعة الدول العربية بإنشاء دولة (اسراطين) دولة مشتركة تكون الأرض فيها فلسطينية والسيادة إسرائيلية .
· وفى مصر : حدث ولا حرج عن الفساد الحكومي المقنن الذي يصب في مصلحة المخطط بالإضافة إلى مشروع التطبيع الكامل مع إسرائيل والذي بدأ بالإفراج عن الجاسوس الاسرائيلى عزام عزام ثم اتفاقية الكويز المشبوهة .. ثم أخيراً التفكير في تصدير الغاز إلى إسرائيل لمدة 15 عام بمقابل شبه مجاني أو هبة غير مردودة .. وقبل كل هذا ..الموقف الباهت من القضية الفلسطينية ووصف المقاومة بالإرهاب ووصف شارون برجل السلام .
· أما في دول الخليج مثل السعودية والكويت وقطر ودول اخرى : كانت القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها هي أكثر الطرق لنيل الرضا الامريكى , فأصبحت الأرض أرضها والبترول المجاني شرابها .
· وفى تونس : فلم يعد أحداً يبذل جهداً في البحث عن أى مظهر اسلامى , فالدولة مسلمة في البطاقة (فقط) .. بدأت بمنع الحجاب في المؤسسات الرسمية بالدولة و تغيرت أجازتها من الجمعة إلى الأحد , والجديد أن صلاة الجمعة على فترتين حتى لا تتعطل مصالح الدولة .
· وانتهجت موريتانيا نفس النهج , فغيرت أجازتها إلى السبت وبذل معاوية ولد الطايع (المخلوع حديثاً ) كل ما في وسعه للقضاء على أي مظهر اسلامى رغم مسمى الدولة الاسلامى وعدد المسلمين المرتفع بها .
· وفى تركيا (عاصمة الخلافة الإسلامية سابقاً) : فقد تبرأت الدولة رسمياً من هذه التهمة التاريخية وارتمت في أحضان أوروبا طمعاً في الفوز بمقعد في اتحادها فتنازلت عن هويتها الإسلامية وقضت على معالم الدولة الإسلامية السابقة بداية من الحرب على الحجاب ونهاية بأغرب فتوى تخرج من بلد مسلم وهى جواز صلاة الرجل بجوار المرأة في صف واحد بالمسجد .
بعد هذه الاستعراضة السريعة لأحوال بعض الدول في ظل المخطط الصهيوامريكى , فانه يبقى القاسم المشترك بين هذه الدول جميعاً إبعاد كل من يدعوا للتخلص من الهيمنة الغربية من دعاة الإصلاح عموماً والإسلاميين خصوصاً .. ففي كل الدول المذكورة آلاف المعتقلين الإسلاميين ومن أصحاب الرأي , ويكفى مصر وحدها 25 ألف قرار اعتقال منذ 25 عاما حتى الآن .
أخيراً .. فان من أهم مستهدفات الغرب عموماً ,اكتساب أعداد جديدة من غير المسلمين عبر التنصير المباشر , ففي أندونسيا ـ اكبر الدول الإسلامية ـ طبقاً لإحصائية قديمة لعام 1975 : يوجد 1400 مبشر متفرغ و 17100 كنيسة , وتملك الحملة التبشيرية لهذا الجيش الصليبي 27 مطاراً وأسطولا من الطائرات العمودية وأسطولا من السفن المجهزة , بالإضافة إلى صحف يومية لبث أفكارهم مثل (الكومباس) , و(سينارهاربان) وإذاعات محلية وشبكة اتصالات لا سلكية .. ولقد وضعوا خطة على مدار 20 عاماً لتنصير اندونسيا كافة .
وفى بنجلاديش : 200 إرسالية تبشيرية مجهزة قامت حتى الآن بتنصير 600 ألف مسلم .
اننى أخشى بعد هذه الاستعراضة السريعة أن يتطرق إلى نفوسنا اليأس يوماً من الأيام .. يأس من هذه الأوضاع المتردية بدولنا الإسلامية أو يأس من أولى الأمر القائمين على هذه الدول , أو حتى يأس من أنفسنا بعدم قدرتنا على إصلاح كل هذا الفساد المحيط بنا ..
إلا أن الله سبحانه وتعالى , قد بشرنا بالعاقبة .. ووضع لنا خطوات التغيير ك " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي " ـ " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون "ـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق