فوز بن كيران .. دروس في الاستيعاب للحركة الإسلامية
بقلم : ابن المبارك ـ أغسطس 2008 ـ
لم أكن اسمع عنه من قبل , حتى طفا خبر فوزه برئاسة حزب العدالة والتنمية المغربي على السطح .. عندها بدأت البحث والقراءة , ووجدتني في النهاية مدفوعاً للكتابة عنه بعدما وجدت في تجربته لمحات دعوية لم يتوقف عندها كثيرون .. كاسراً بذلك قاعدة " الحي لا تؤمن فتنته " , فإذ يعتبره كثيرون من مثيري الشغب الدعوى فاني اعتبره من خامدي الفتن الدعوية بجرأته التي تنم عن فهم , واتسامه بالواقعية الشديدة التي ربما يفتقدها بعض قادة الحركات الإسلامية المعاصرة .. نعم إنها شخصية أثارت اعجابى .. واندهاشي أيضا .ـ
لقد جاء انتخاب عبد الإله بن كيران أمينا عاماً لحزب العدالة والتنمية الإسلامي بالمغرب لتفتح ملفاً وتؤكد درساً في علاقة الحركات الإسلامية بالأنماط القيادية الاستثنائية في صفوفها , نموذج رائع في الاستيعاب الداخلي والانفتاح على الفكر كفكر لا على الفكر كشخص ..ـ
وإن أول ما يجب أن نتوقف عنده في قراءتنا الأولى هو تلك الملاحظة التي يرجى لها احتمالين : إما أن جماعة التوحيد والإصلاح قد وصلت إلى مرحلة عالية في النضج والفهم بحيث تختار الفكر قبل الشخص فتزكى بن كيران المشاغب ( أعتذر عن استخدام هذه الألفاظ ولكنها ضرورة بلاغية لا أكثر ) الذي لا يتمتع بكاريزما القيادة والذي قال عن نفسه : " أنا قائد غير موقر بين حركتي ، ولن تجد في حركتنا هذا النمط الشائع من القيادة بين الإسلاميين " ـ
أو أن أفراد الحركة يتعاملون مع الموقف سياسياً فقط واختيارهم نابع عن تكتيك سياسي بدون خلفية دعوية من أجل مصالح وقتية تفيد الحزب لا الجماعة ... على كل الأحوال , دعونا نبدأ من أول السطر ـ
عبد الإله بن كيران .. من البداية
عبد الإله بن كيران ذو الخمسين عاما أو يزيد (مواليد 1954 ) وأستاذ الفيزياء ,, له تاريخ مشوق في عمله بالحركات الإسلامية وعائلته كلها لها باع في العمل السياسي والنضالي.. وصاحب رؤية خاصة دائماً ..ـالبداية التنظيمية الحقيقية (إذ سبق له الانضمام إلى بعض الأحزاب الصغيرة ) كانت بانضمامه إلى حزب الشبيبة الإسلامية الذي أسسه عبد الكريم مطيع ثم انفصل عنها بسبب لجوئها للعنف وشارك بعد خروجه من المعتقل في الثمانينات كلاً من سعد العثماني ومحمد يتيم في تأسيس الجماعة الإسلامية ( أو حركة التوحيد والإصلاح أو حركة الإصلاح والتجديد .. كلها أسماء لذات الحركة ) ـ
بن كيران .. والنقلات النوعية
أما البداية الفكرية ( الجريئة في حينها ) فكانت عند انفصاله عن الشبيبة ,, إذ أصدر بياناً يستنكر فيه أعمال العنف ويدعوا إلى حزب جديد بمصالحة وطنية وهى الدعوة التي أثارت ضده كثير من شباب الحركة الإسلامية .. لقد قال في مضمون بيانه " الحركة تأخذها العزة بما سيدخلها في نفق لن تجني منه إلا الحنظل " ـكانت هذه هي المواجهة الأولى له لتصحيح مسار العمل الاسلامى .. رغم انه واجه اتهامات بالمداهنة والجبن والتساهل أثناءها ... إلا أن التاريخ اثبت عمق نظرته للأمور .. يقول حسام تمام الباحث السياسي : " ولكن جاءت مبادرة عبد الإله بالخير علي إخوانه و جماعتهم التي سرعان ما تخلصت من عقدة الشبيبة التي كانت الأولي في سلسلة عقد كانت تحكم علاقتها بالنظام، ويبدو أن نجاح هذه المبادرة سيكون له تأثير بالغ في منهج عبد الإله في التعامل مع كل العقبات والعقد التي واجهتها الحركة أو عاشتها " ـ
النقلة الثانية .. كانت في رفض العمل السري لحركة التوحيد والإصلاح وطرح مبادرة للعمل العلني وفق أوضاع قانونية بحتة .. يقول تمام : " لا يمكن فهم أهمية ما دعا إليه بن كيران إلا إذا وضعناه في سياقه التاريخي ؛ فقد كانت السرية في هذا الوقت من أهم أسس العمل الإسلامي الذي توارثته الجماعة عن تنظيم الشبيبة وغذته من أدبيات الحركات المشرقية التي كانت حاضرة بقوة، ومن ثم فلم تكن تتصور القطع معها في يوم ما " ـ
هذا ما جعل المبادرة مستغربة من الجميع آنذاك , ولكن عبد الإله ظل متمسكاً بها حتى طبقها جزئياً في الرباط فقط وسجل جمعية " الجماعة الإسلامية " .. وظل يحارب من أجل فكرته حتى جاءت اعتقالات أعضاء الحركة التي يبدوا أنها السبب في اقتناع معظم أعضاء الحركة بعدم جدوى السرية بعد ذلك .ـ
النقلة الثالثة .. كانت في فض الإشكاليات الفكرية التي تتصل بعلاقة الحركة بالدولة وهوية النظام الحاكم وشرعية الحكم الملكي , و......... الخ , وكانت رؤيته التي ثبتها هي أن الدول مثل الأفراد، لا نحكم عليها إلا بما تدعيه، وإذا كانت الدولة قد أعلنت أنها مسلمة فهي كذلك حتى ولو ارتكبت ممارسات تخل بإسلامها، ومثلما لا نكفر الفرد الذي يعلن الإسلام حتى ولو أتي بالذنوب والمعاصي فإنه لا ينبغي أن نكفر الدولة بمجرد أن ارتكبت ما لا يتوافق مع الإسلام طالما أعلنت أنها مسلمة..ـ
ووضع وثيقة عام 1990 وكان رئيساً للحركة حينها .. جاء في مطلعها : " إذا كان النظام الملكي هو الضامن لوحدة التراب المغربي فإن إمارة المؤمنين هي الضامن لإسلامية الدولة وعدم انحرافها أو سقوطها في براثن الأطروحات العلمانية الداعية للتخلص من أي مرجعية دينية للدولة " ,, وكالعادة كما يذكر الباحثون لاقت هذه الوثيقة اعتراضات كبيرة جعلت بن كيران يضع استقالته تحت تصرف الحركة .. إلى أن وافقت على الوثيقة بعد إعادة صياغتها كاملة. ـ
النقلة الرابعة .. هي تقنين العمل النسائي داخل الحركة وإنشاء قسم خاص بالأخوات ,, وهو حسب كلام الأستاذ أبو زيد مقرئ الادريسى ـ عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ـ كان محرماً داخل الحركة لتجنب بعض الشبهات ووضعت الحركة لائحة خاصة بهن تنظم عملهن .. ولقد وصفت هذه اللائحة ـ رغم حداثتها ـ بأنها أكثر تقدماً من لوائح كثير من الحركات الإسلامية التي تتيح العمل النسائي الدعوى في صفوفها .ـ
النقلة الخامسة .. و الأهم انه شارك في تأسيس الحزب السياسي للحركة و كان من أشد المتحمسين لذلك فتقدم لإنشاء حزب التجديد الوطني ورفض من السلطات لأنه حزب ديني فغير اسمه إلى الحركة الشعبية الدستورية والذي تحول بعد ذلك إلى حزب العدالة والتنمية ..وها هو الآن رئيسا له . ـ
كيران .. دروس في النضال من أجل الفكرة
تميز بن كيران على قدرة عالية في فرض منطقه دون استعلاء .. ولقد كانت إعادة صياغة وثيقته السياسية سالفة الذكر من جانب قيادات الحركة نموذجاً في ذلك .. و كانت أفكاره في كثير من الأحيان تثير عليه العنت والنقد الشديد فتارة يتهم بالين والتساهل وتارة يتهم بالتسرع والعجلة .. ولقد قرأت أنه قد تعرض للتحقيق الداخلي بالحركة ذات مرة لمدة 11 ساعة بسبب كلمة ارتجلها في ندوة جامعة الصحوة الإسلامية غير الكلمة التي كانت مقررة له !.ـ
يقول تمام : " لقد عرفت الحركات الإسلامية نوعا من القيادات علي استعداد أن تناطح أعتي نظام وتتحدي أقوي سلطة لكنها لا تمتلك الجرأة أمام جماهيرها فتضعف تجاهها وتخشاها بأكثر مما تخشي السلطة بل وتتردد في مواجهتها فيما تستخف بالسلطة وبما يمكن أن تلاقيه منها من تضييق واعتقال وسجن، فيما ندر فيها القيادات من أمثال عبد الإله بن كيران الذي يغامر بمواجهة الجماهير ويقبل أن يتصدق بعرضه في هذه المواجهة من أجل تحرير حركته من المعارك الوهمية أو الخروج بها من الأنفاق التي تؤدي بها خارج التاريخ ..ـلقد تأخر تطور كثير من الحركات الإسلامية بسبب أن القيادة وقعت أسيرة الجماهير فداهنتها وأنتجت لها خطابا علي قدرها فنزلت بها الجماهير بدلا من أن تأخذ هي بيدها وتنقلها خطوة نحو الأمام، ومن هنا يجب أن نتوقف في أي قراءة للحركة الإسلامية المغربية أمام عبد الإله بن كيران صاحب نموذج القيادة من دون كاريزما " ـ
أخيرا .. فان الدرس الذي يجب أن نتوقف عنده كثيراً , هو أن أياً من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية لا يستطيع أحد مهما كان أن يمنعه من إبداء رأيه والدفاع عنه بكل الوسائل المشروعة في إطار التنظيم حتى ولو استغرق الأمر لسنوات .. وكيران نموذجاً واضحاً لأنه علم أن الفكرة تنجح إذا قوى الإيمان بها وتوافر الإخلاص في سبيلها .. وليت المغردين خارج السرب في الجماعة بمصر أمثال الأستاذ أبو العلا ماضي والأستاذ عبد الستار المليجى ومن يأتي من بعدهم على نفس نهجهم ,, يتعلمون من التاريخ .. ليدركوا أن أحلام الأمس حقائق اليوم وأحلام اليوم حقائق الغد .. وان الوقت جزء من العلاج .ـ
***************************************************************