أريد ان اكتب .. ولكن عن
ماذا اكتب ؟؟ عشرات الأفكار والخواطر تطاردنى , ورغم ذلك فالفترات التى ابتعد فيها
عن الكتابة تكون قاسية على نفسى .. لم اتعود ان يمر يوم على دون اكتب فيه شيئا .. ليس
بهدف اذاعته طبعا فانا انشر عشرة بالمائة مما اكتب , لكن للكتابة عندى متعة خاصة
رغم صعوبتها , حصر للافكار والاحداث وتحليل للمواقف وتقييم للمتغيرات ..
كل يوم قبل النوم يطرأ على ذهنى هاجس الموت
يذكرنى بثلاثة أشياء , منها ما أقوله لنفسى : اين ستذهب هذه " الأجندات والكشاكيل والمقصوصات "
بعد رحيلى ؟ وكيف سيكون التعامل معها حين تتكشف أسرار وأشياء لم تقال قبل ذلك , وكثير
منها عنى ؟ ماذا سيحدث ؟؟ ربما لا شيئ .. وربما شيئ كبير , الله أعلم
كتبت خاطرة ذات مرة تحت
عنوان : " أصنع التاريخ " .. احب هذه الجملة جداً .. معظم العلماء
والمعلمين والمؤثرين الراحلين الذين نثنى عليهم صباح مساء ونتلقى كتاباتهم بكثير
من الشغف وحب التعلم , كانوا فى ازمانهم اشخاصاً عاديين جداً , وربما يثار حولهم
الشبهات والشائعات , و ترفض رؤاهم واقتراحاتهم , وينقض آراؤهم وقناعاتهم , بل
واحيانا يتهمون بما ليس فيهم
عندنا مثلاً الشيخ محمد
الغزالى .. هذا الرجل الذى تربيت على يديه عن بعد , رغم أننى لم أحضر له الا درس
واحد فى حياتى .. لكن اول عهدى بالقراءة كانت لكتبه الذى ساعدنى أبى بشرائها دوماً
.. ـ
لا استطيع أن أتصور هذا الجدال الذى حدث حوله فى بداية حياته عبر
سنين طويلة وما لاقاه من الأقربين قبل البعيدين من تشكيك ورفض وهدم واتهام فى
النوايا بسبب بعض مواقفه وكتاباته حتى من داخل الاخوان المسلمين أيام الفتنة
الاولى
.
.
لم يكن أحد يتصور ان يكون
الغزالى كما هو الآن .. هذا الجبل والقمة , الذى بدأ حياته باحباط كبير عندما أوشك عن التوقف عن
الكتابة بعد محاولات منه كثيرة لنشر بعض مقالاته فى مجلة الاخوان المسلمين , فكانت
مقالاته تقابل بالتجاهل من رئيس تحرير المجلة .. حتى زار الامام البنا مقر المجلة
ووجد مقالات الغزالى فى الأدراج مهملة فقرأها وغضب لهذا الاهمال , وأمر بنشرها
تباعاً ثم أرسل الى الشيخ الغزالى رسال مختصرة جاء فيها :ـ
" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... بعد قراءة مقالك الأخير فى مجلة الاخوان , طربت لعباراته الجزلة ومعانيه الرقيقة وأدبه العف الرصين , هكذا يجب أن تكتبوا أيها الاخوان المسلمون , اكتب دائماً وروح القدس تؤيدك والله معك .. والسلام عليكم ورحمة الله ـ أخوك حسن البنا ـ فى عام 1945 " ـ
" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... بعد قراءة مقالك الأخير فى مجلة الاخوان , طربت لعباراته الجزلة ومعانيه الرقيقة وأدبه العف الرصين , هكذا يجب أن تكتبوا أيها الاخوان المسلمون , اكتب دائماً وروح القدس تؤيدك والله معك .. والسلام عليكم ورحمة الله ـ أخوك حسن البنا ـ فى عام 1945 " ـ
يقول الشيخ الغزالى فى مذكراته انه قبل هذه
الرسالة بأيام كان اليأس قد بدأ يدنو منه وقد فكر فى التوقف نهائيا عن الكتابة ـ
ولو حدث ذلك فلا يستطيع أحد أن يتخيل أن يحرم العالم من عالم مثل الغزالى الذى وصل
بكتاباته الى مالم يصل اليه غيره فى الواقعية الجريئة واستشراف مستقبل الدعوة
الاسلامية
.
.
دعونى اذهب بعيداً ... نيوتن , ذلك العالم الذى رمى كرة من الحديد
الملتهب فى بحيرة العلم وفجر ثورة فنية بنظرياته .. كان يعانى من مرض نفسى .. اسمه
التوحد , لطالما لمزه اهله وجيرانه , وشكك فى قدراته العقلية أقرانه , لكن كان خلف
هذا التوحد .. تعمق وتفكير وابداع
أما أديسون ـ مخترع
المصباح ـ فقد كان يقول له مدرسه دوماً : " أنت فتى فاسد , لا تصلح للاستمرار
فى المدرسة " , حاول ألف مرة ليخرج بحكمة رائعة أهم من المصباح نفسه مفادها :
" أنا لم أفشل لكنني وجدت عشرة آلاف طريقة لاتنجح " , و " العبقرية
عبارة عن واحد بالمئة إلهام و99 بالمئة بذل مجهود " .
و ستيف جوبز رئيس شركة أبل وبيكسار , حكاية كبيرة
ومؤثرة , أنصح بالاستماع الى محاضرته الشهيرة أمام طلاب جامعة ستانفورد ( http://www.youtube.com/watch?v=sYEjn8xtSjs&feature=related ) .. ستجد نفسك تردد بعد مشاهدته : " لا يمكنك وصل النقاط عندما
تتطلع للمستقبل , بل فقط حينما تنظر الى الماضى " ـ
لم يخطئ اذاً من قال ان هناك كثير من الناس لا نشعر بأهميتهم ولا
نقدر مجهودهم الا بعد رحيلهم , وتلك أمور من الطبيعة الانسانية , لكن الغير طبيعى
الذى نريده أن نستشرف المستقبل بنظرة
ثاقبة وبصيرة نافذة , وأن نقدر كل انسان فى حياته .. وذلك أمر عسير الا لمن يسره الله له
والحمد لله رب العالمين
هناك تعليق واحد:
ولماذا لا تنشر الا العشر فقط مما يكتب
انشر المجموع ولنتواصل حوله فإما أن تكون مفيدا أو مستفيدا، صائبا مأجورا أو مجتهدا تصل الي الصحيح بإذن الله
إرسال تعليق