يا
إلهى " .. رغم عفويتها كرد فعل لما حدث إلا أنها لم تخرج من جوفه , حين سقطت
منه دواة الحبر على وريقات هامة
تعب أياماً فى جمعها
لم
يكن أسوأ تصور عنده يصل إلى هذه الدرجة التى سيفقد بها هذه الأوراق فى ثانية واحدة
... وقف مستنكرا سهوه للحظات معاتباً نفسه .. ثم ما لبث أن تحول الاستنكار الى
تأمل عميق وشرود فى عالم آخر ..
"
ما هذه اللوحة الفنية البديعة التى شكلها الحبر على
الورق " .. جلس يحدث نفسه بعدما التقط احدى الورقات التى غطاها الحبر
.. " يا الله .. ما أروع هذه القطرات التى تشكلت على الجانب الأسر من الورقة "..
" سبحان الله .. أذرع أخطبوط يلتف حول فريسته فى مشهد قوة يعبر عن واقع الحياة ـ" ..
" وهذه الخطوط المتوازية .. ما أجملها .. تلك التى تجسد مسارات المعيشة اليومية وسط العواصف ـ" ..
انظر الى تلك القطرة الوحيدة فى أسفل الورقة .. ما الذى أجبرها على هذه الوحدة خارج منظومة هذه اللوحة الفنية البديعة " .. فلوحات الفن التجريدى لا تترك مساحة لانفراد عنصر من العناصر ..ـ
دقائق طويلة مرت فى هذه الأحاديث الداخلية .. قبل أن ينتبه الى نفسه .. لحظات من التفكير العقلى .. او هكذا يظن ..
ثم أحاديث النفس تطارده مرة أخرى : " لا بد من عرض هذه اللوحة الجميلة على كل البشر .. ليروا روعة هذا الفن " ـ
خرج الى أصدقائه يدعوهم الى مشاهدة فنه الراقى وإبداعه اللامحدود .. لم يجد إسماً يسمى به لوحته سوى " الفن التجريدى " .. ربما ليقينه انه إسم غامض لن يسأل أحد عن معناه , وإن سئل فان أى إجابة منه صحيحة اعتمادا على جهل السائل ..
ازدحمت غرفته بالزوار من الأصدقاء .. كان يوجههم دائماً الى التفكير فى اللوحة فقط .. وعدم الإنشغال بكيفية إجرائها أو رسمها
لكل جزء فى اللوحة الصغيرة تفسير فنى وواقعى عنده .. قدرة فائقة فى الربط و التنسيق بين المكونات .. واندهاش الجميع من عمق لمساته ومعانيها الراقية التى تجسد ملامح الحياة .. جعلت أحاديث نفسه تأخذ منحىً آخر بعد سيول المدح التى تلقاها من المحيطين .. ـ
" لماذا لا أعرض لوحتى هذه على الفنانين فى معرض يضم كبار المبدعين أمثالى "
هاجس خافت ظل يطرق على باب قلبه بهدوء .. كلما ازدادت الطرقات كلما ازدادت الفكرة رسوخاً ..
" ما المانع .. لا شيئ يضر "
قرار جاء على أرضية كبيرة من الاقتناع بالذات ومساحة اكبر من الثقة بابداعها
..
" سيد خالد .. "
صوت جاءه من الخلف قاطعاً كل حبال التفكير وشرود النفس .. لم يترك الصوت له مجالاً فأكمل : " لدى سؤال بسيط يا سيدى .. هذه الكلمات فى خلفية لوحتك .. هل تعبر عن إبداع ما ؟؟ انا متأكد أنها لم تأت جزافاً .. لماذا لا تضع لوحة أخرى بجوارها لتشرح لمريديك هذا الترابط النادر بين النص والصورة " ـ
" عفوا .. عفواً "
قاطعه الفنان .." دعنى أراجع هذه الكلمات على انفراد" ـ
وقف أمام لوحته الوهمية مصدوما وكأنه يراها لأول وهلة : " يا إلهى .. يا إلهى .. ماذا حدث لورقتى الهامة !! "ـ
ما هذا .. !! ماذا يحدث ؟؟ .. من هؤلاء الناس ؟؟
ظل يصيح فى هيستريا .. لم يشكّ أحد الحاضرين برهة فى صدق صراخه الذى يختلف عن صياح إبداعه الأول ..
انصرف الحاضرون بهدوء قاتل .. هدوء لا ينم عن معجبين من لحظات كانت عبارات مدحهم تهز أحياء المعمورة بأسرها
وجلس خالد وسط غرفته واضعاً كفيه على وجهه شارداً
ما الذى حدث ؟؟ ما الذى حدث ؟؟ .. مازال يسأل نفسه
.. دون رد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق