21‏/10‏/2009

أوراق من حياتى

فى صعيد مصر 2002/2003
الجزء الثانى


من الاستفادات التى استفدتها فى أسيوط أن جزءاً من واقع الصعيد تكشف لى ـ وياليته لم يتكشف ـ ولعلى لا أضيف جديداً حين أقول أن صعيد مصر على فوهة بركان خامد سيثور فى وقت ما فى علم الله وذلك لعدة عوامل لا حظتها وسمعت عنها هناك : ـ
أولها : العنف الكامن الذى يستدعى فى أى وقت حسب الطلب وانتشار تجارة السلاح هناك
ثانيها : ورقة الفتنة الطائفية التى تستغل من جهات لا نعلمها فى أوقات معينة
ثالثها : تجارة المخدرات المنتشرة فى جبال الصعيد وصحراؤها
رابعها : التغلغل الأمريكى الاسرائيلى القوى فى المؤسسات التجارية والصناعية عبر رجال الأعمال 
خامسها : انتشار الفقر والجهل فى قرى ونجوع كثيرة لا يسأل عنها أحد شأنها شأن قرى مثلها فى كافة أنحاء مصر

ومن الملاحظات الجديرة بالذكر أن السفير الامريكى كانت له زيارات ثابتة لأسيوط وكان دائماً يبدؤها من جمعية لرجال الأعمال مقرها أمام جامعة أسيوط ورأيته بنفسى ورأيت الحفاوة التى يستقبل بها  , وعلمت بعد ذلك أن له زيارات ثابتة لبعض المنشآت التجارية والصناعية فى أسيوط وما حولها


من الأمور أيضاً التى عاصرتها هناك أحداث قرية النخيلة وخط الصعيد عزت حنفى .. كنا نتابع أخباره يومياً وكأنه مسلسل شيق نتلهف لحلقته اليومية .. سمعنا أن حنفى كان يحفر خنادق تحت الأرض فى النخيلة , وأنه كان يقيم قواعد ودشم خرسانية دفاعية , وسمعنا انه وضع فوق كل نخلة فى القرية ( سميت النخيلة لكثرة النخل بها ) أنبوبة غاز جاهزة للانفجار عند أى محاولة لاقتحام قوات الامن البلدة , ورأينا المستشفيات فى أسيوط تستقبل كل يوم جرحى وقتلى لأن حنفى يطلق النيران على القطارات المارة على البلدة ويقطع الطريق البرى برجاله , ثم آخر ما سمعنا ان قوات الأمن المصرية الباسلة فشلت فى اقتحام القرية براً وجواً فلجأت الى خيار البحر ودخلت البلدة بالزوارق الحربية  ..لقد كان فيلماً أجنبياً مرعباً وشيقاً 


الشيخ الذى يوحى اليه

هذه احدى عجائب القرن الواحد والعشرين بلا مبالغة .. لا أعرف لماذا لم يسمع الناس عن هذه القصة , لم أكن أتخيل أن أجد مثل هذه الحالة النادرة التى نسمع عنها فى الطرائف والغرائب وقديم الكتب فقط 
فبعد 3 أشهر من نزولى الى مدينة أسيوط سمعت عن الشيخ عبد الخالق , امام مسجد كبير بشارع الجمهورية بأسيوط .. يدعى أنه يوحى اليه وأن سيدنا  جبريل وسيدنا محمد يزورانه فى اليقظة وأن سيدنا أبوبكر وسيدنا عمر يأتيان اليه فى أوقات خاصة وأنه يرى الملائكة وأنه يخاطب الله ... لا اله الا الله
لم أستطع أن أكمل السماع عن هذا الرجل .. كان لابد من زيارته فى مسجده لتكون مواجهة الحقائق عياناً بياناً ,,, وقد كان

ذهبت بصحبة اثنين من أصدقائى الى مسجده فى صلاة العشاء .. كالعادة تحذير منهم الى بأن ألتزم الأدب والا أظهر اى رد فعل تجاه أى فعل غريب أراه هناك , بالاضافة الى تنبيه آخر بان أعيد الصلاة بعد عودتى لأن هناك فتوى من أحد العلماء ببطلان الصلاة وراء هذا الشيخ  !!ـ

دخلت المسجد فوجدت كرنفالاً من المجتمع المصرى ( أساتذة جامعة وطلاب وضباط شرطة وعمال وأطباء مشهورين وفلاحين ونساء وأطفال , ... و ... الخ ) .. كل ما تتوقع ومالا تتوقع
ثم لمحت غرفة الامام فوجدت عجباً .. اذ يقف أمامها ـ عفواً ـ يسجد أمامها شاب فى العشرينات من عمره .. يسجد للامام , او بمعنى اصح يسجد لباب غرفة الامام .. على بعد  متر أخر من الباب تلتف مجموعة كبيرة من الناس يلهثون بالدعاء ,, لا أعلم دعاء من : الله أم الشيخ أم باب غرفة الشيخ 
كان مشهداً صادماً لى لم اتمالك معه نفسى فشعرت بانقباض شديد فى قلبى مصحوباً برعشة فى جسدى ,, وكان صديقاى يمسكون بى على الجانبين , ربما لأنهم يشعرون بما أشعر ويحتاجون الى التماسك الجماعى ... ـ

وسط هذه الحالة من الذهول رأيت رجلاً يقترب منا ومعه ( اربة ) بها ماء ومد يده الينا بأكواب من هذا الماء فأخذ صديقاى ورفضت أنا تناولها فغمزنى صاحبى وأصر على ان أشرب منها فشربت , ولما عاتبته بعدها قال لى ان هذه المياه ( مباركة ) قد وضع الشيخ عبد الخالق فيها يده , وأن عدم تناولها كان سيثير انتباه الناس الينا وسط ( المريدين ) وسيحذروننا من من مغبة هذا الرفض الذى سيقتضى حرماننا من البركة المقدسة طوال حياتنا , المهم اننى نسيت هذه الكلمات ,,, نسيتها كلها وبقى عالقاً فى ذهنى ان الشيخ وضع فيها يده , لقد اصابنى (مغص) فى حينها

كان أكبر همنا اذاً ألا نظهر كالغرباء فى المسجد وألا يصدر منا أى فعل غريب يلفت الانتباه الينا خاصة ونحن مستنكرين كل ما يحدث حولنا

ثم أقيمت الصلاة , وما أدراكم ما الصلاة
وقف رجل على يسارى ووقف صاحبى على يمينى , كان الرجل مستمتعاً جداً بتلاوة الشيخ ـ أو قل بغناء الشيخ ـ اذ كان يقرأ القرآن بطريقة غريبة جداً من حيث التلحين والوقفات والتقسيم .. الحقيقة لا أستطيع أن أصف ذلك كتابة , وكان الرجل يقوم بحركات غريبة بيديه ( من أثر الخشوع ) وكأنه مايسترو يقف على خشبة مسرح ينظم اللحن 
رغم ذلك فان الأكثر غرابة هم النساء فى المسجد ,, اذ كان يفصلنا عن حاجزهم بضعة أمتار قليلة وبمجرد أن بدأ الشيخ بالقراءة حتى دوت أصوات عنيفة وصاخبة من الصراخ والبكاء والعويل ( ايضاً من أثر الخشوع ) ـ
لما انتهت الصلاة وهممت بالخروج استرعى نظرى ذلك الطفل فى الخامسة او السادسة من عمره الذى اخترق الصفوف والحشود الملتفة حول الشيخ لتأخذ البركة , وأخذ يقبل يد الشيخ بشدة رافضاً دعوات المحيطين بالتمهل والابتعاد والاكتفاء , هذا المشهد أثار فى داخلى أسئلة حائرة .. ماذا يعرف هذا الطفل عن الشيخ ؟؟ وماذا يظن أنه سيستفيد من تقبيل يده ؟؟ من الذى علمه هذا ؟؟ بل من الذى رباه على ذلك ؟؟ 
عند باب المسجد انتظرت خروج الشيخ الى الشارع , ووجدت سيارة مرسيدس تفتح أبوابها له ورجل طويل وعريض وضخم يستقبل الشيخ .. كان هذا هو الحارس الشخصى للشيخ عبد الخالق كما علمت بعد ذلك ..   ـ


هذا ما رأيت .. اما ما سمعت فأوله , أنه فى حلقته المسجدية قال : دخلت فى فؤاد أم موسى فسألنى ربى : كيف وجدته يا عبد الخالق , قلت : وجدته فارغاً يارب !! , وثانيها أنه قال أن سيدنا محمد جاءه فى الصلاة فتأخر عن القبلة وقدمه ليصلى اماماً فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : أنت أولى بها يا عبد الخالق وقدمه مرة أخرى ,, وثالثها أنه ادعى أن سيدنا ابوبكر وسيدنا عمر زاراه فى منزله ويقرءون المصلين السلام ,, ورابعها انه ادعى أن جبريل يحدثه من وقت الى آخر وأن أحداً لا يستطيع رؤيته او سماع صوته سواه 
وسمعنا الكثير والكثير مما لا ينبغى ذكره ومما لا أستطيع وصفه كتابة , ولا حول ولا قوة الا بالله العظيم

سوف يظل الشيخ عبد الخالق ذكرى خالدة فى ذهنى للأبد كحالة نادرة فى حياتى لم أر مثلها .. آسفاً أن يكون فى مصر مثل هذا الشيخ الذى يسيئ الى الصوفية التى يدعى تمثيلها والى الاسلام الذى لا يعرف هذه الخرافات ,  ويخدع آالاف المصريين من مريديه وأنصاره بقصصه الوهمية التى ما أنزل الله بها من سلطان .. وآسف لشعب جاهل يجرى خلف السراب !!!!  ـ

*****************************************
الجزء الثالث والأخير : ـ
* فى وداع أسيوط    

هناك تعليقان (2):

Anas Alaa يقول...

و أنا جاي لك جدي قالي ادعي لي عند السيد البدوي . مكنتش متخيل إنها تطلع منه

من وحى الألم يقول...

جدك دا راجل محترم ...

مدد

الحكم المباركية .. تجربة حياة

  • فاقد الشيئ لايعطيه .. لكن مفتقد الشيئ أحياناً يعطيه
  • دع أى انسان يحدثك عن نفسه , وسوف تحبه
  • الشيء الوحيد الذى لا يمكن لأحد احتكار الحديث عنه .. هو الانسان
  • بين ( يطرد ) و (يطارد) .. حرف يعبر عن الحركة
  • الألم .. أكبر محرك للإبداع
  • ما أجمل الحياة فى ترقب حكمة الله
  • التهاون مع عيب النفس فى أوله يورث الندامة بعد توغله
  • جرحك .. لن يؤلم أحداً غيرك
  • وكل انسان له جاهلية أولى ترادوده حينا بعد حين
  • قلب المربى بضاعته , ان ضعف بارت سلعته
  • ونصبر على مرّ الدواء أملاً فى حلاوة الشفاء , فما أصعب مخالفة هوى القلب
  • عدم ثقة الآخرين فيك قد تزيد من ثقتك بنفسك أحياناً
  • ما أصعب أن تقاوم الحب
  • تأقلم على لحظات الوداع فستتكرر فى حياتك كثيراً
  • * توظيف الأحداث نصف التربية
  • لا تفرض نفسك فى منظومة الآخرين .. فان القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء
  • ونحتاج للصدمة أحياناً
  • لا تجعل قلبك فى يد واحد فقط مهما كان
  • * أحب أن أكون فى بؤرة الاهتمام , ليس لأنى انسان .. لكن لأنى أسير بدعاء الاخوان
  • باب مرض النفس : أن تشعر أنك على علم وأن غيرك على جهل
  • كأنك تساق الى القدر سوقاً , لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمراًَ
  • * تتعدد أشكالها , لكن .. لكل انسان حياة أخرى
  • * أكثر الناس هموما , من يعمل على تخفيف هموم الأخرين
  • * السؤال المحرج الذى نهرب منه جميعاً : ما هو الشيئ الحقيقى الذى قدمته للآخرين ؟
  • * الطبيعى ألا تجد من يستطيع أن يعوضك شيئاً فقدته , الغير طبيعى ألا تجد أحداً يحاول ذلك
  • لا تستدين الا والسيف على رقبتك
  • * اذا لم تستطع قول الحقيقة , فلا تقل نصف الحقيقة
  • * والشك فى عطاء الله ذنب يستوجب التوبة له
  • * للأخوة حقان : حق لأخيك بينك وبين الله , وحق لأخيك بينك وبينه
  • المعاناة جزء من الحياة
  • * لا يصلح فى هذا الزمان الا رجل قوى النفس , دقيق المشاعر , وذو رأى
  • شيئ صعب على النفس .. أن تشعر دائماً أنك تعيش فى ظروف استثنائية
  • لما تكشفت لى حكمته .. ترفعت عن سفاسف القوم
  • سلم بقدرك ثم سلم بخطئك
  • قليل من الناس من يعترف بخطئه من الوهلة الأولى
  • المثالية ليست خيالا
  • يخسر كثيراً من يحتفظ بمشاعره تجاه الآخرين لنفسه
  • المسكنات تزيد الألم أحياناً
  • قسوة المحب رحمة وعتابه مودة
  • لا تجعل الثقة أضعف خيط فى العلاقة بحيث تسعى لاختباره فى كل حين
  • أعجب لأناس يلتمسون العذر لأصحاب الأعذار ولا يلتمسون العذر لقاهرى الأعذار
  • ليس كل من حولك يجيد التعاطف .. فلا تنتظر شيئاً من أحد
  • الخطأ مؤلم بطبيعته .. ولكن حين وقوعه فقط
  • من يبحث عن السعادة بعيداً عنه يعيش حزيناً طوال عمره
  • الرأى الخطأ .. صحيح فى ظرف آخر
  • لا تجعل خوفك من الموت ينسيك طلب الشهادة
  • من فقه واقعه أدرك أولويات عمله
  • لا يغرنك كثرة المحيطين بك فان منهم المضطر والمخدوع وذا الحاجة
  • المخلص يظن الناس كلهم مخلصين , والمرائى يظن الناس كلهم مرائين
  • الذوقيات تصلح الأخلاقيات , واذا صلحت الأخلاقيات صحت العبادات
  • قد تعوض العاطفة نقص الفهم أحياناً , ولكن الفهم لا يعوض نقص العاطفة أبدأ
  • المتردد : يتأخر دائماً حتى يصنع القرار نفسه
  • ليس كل من يستطيع أن يقرأ يستطيع أن يكتب
  • أفخر بتجاربى فى الحياة .. رغم انها مليئة بالأخطاء القاتلة
  • لا تجعل ذنوب أخيك التى تطفوا على وجهه تصرفك عنه , فان ظلمة وجهه لتحتاج الى شعاع من نور وجهك لكى يسترد وضاءته
  • للألم أحياناً مذاق آخر , حمدت الله كثيراً عندما أيقظنى الألم فى جوف الليل لأقوم بين يدى الله .. فقط أيقظنى ثم ذهب
  • الشيء الوحيد الذى لا يمكن لأحد احتكار الحديث عنه .. هو الانسان