فى صعيد مصر 2002/2003
الجزء الثانى
من الاستفادات التى استفدتها فى أسيوط أن جزءاً من واقع الصعيد تكشف لى ـ وياليته لم يتكشف ـ ولعلى لا أضيف جديداً حين أقول أن صعيد مصر على فوهة بركان خامد سيثور فى وقت ما فى علم الله وذلك لعدة عوامل لا حظتها وسمعت عنها هناك : ـ
أولها : العنف الكامن الذى يستدعى فى أى وقت حسب الطلب وانتشار تجارة السلاح هناك
ثانيها : ورقة الفتنة الطائفية التى تستغل من جهات لا نعلمها فى أوقات معينة
ثالثها : تجارة المخدرات المنتشرة فى جبال الصعيد وصحراؤها
رابعها : التغلغل الأمريكى الاسرائيلى القوى فى المؤسسات التجارية والصناعية عبر رجال الأعمال
خامسها : انتشار الفقر والجهل فى قرى ونجوع كثيرة لا يسأل عنها أحد شأنها شأن قرى مثلها فى كافة أنحاء مصر
ومن الملاحظات الجديرة بالذكر أن السفير الامريكى كانت له زيارات ثابتة لأسيوط وكان دائماً يبدؤها من جمعية لرجال الأعمال مقرها أمام جامعة أسيوط ورأيته بنفسى ورأيت الحفاوة التى يستقبل بها , وعلمت بعد ذلك أن له زيارات ثابتة لبعض المنشآت التجارية والصناعية فى أسيوط وما حولها
من الأمور أيضاً التى عاصرتها هناك أحداث قرية النخيلة وخط الصعيد عزت حنفى .. كنا نتابع أخباره يومياً وكأنه مسلسل شيق نتلهف لحلقته اليومية .. سمعنا أن حنفى كان يحفر خنادق تحت الأرض فى النخيلة , وأنه كان يقيم قواعد ودشم خرسانية دفاعية , وسمعنا انه وضع فوق كل نخلة فى القرية ( سميت النخيلة لكثرة النخل بها ) أنبوبة غاز جاهزة للانفجار عند أى محاولة لاقتحام قوات الامن البلدة , ورأينا المستشفيات فى أسيوط تستقبل كل يوم جرحى وقتلى لأن حنفى يطلق النيران على القطارات المارة على البلدة ويقطع الطريق البرى برجاله , ثم آخر ما سمعنا ان قوات الأمن المصرية الباسلة فشلت فى اقتحام القرية براً وجواً فلجأت الى خيار البحر ودخلت البلدة بالزوارق الحربية ..لقد كان فيلماً أجنبياً مرعباً وشيقاً
الشيخ الذى يوحى اليه
هذه احدى عجائب القرن الواحد والعشرين بلا مبالغة .. لا أعرف لماذا لم يسمع الناس عن هذه القصة , لم أكن أتخيل أن أجد مثل هذه الحالة النادرة التى نسمع عنها فى الطرائف والغرائب وقديم الكتب فقط
فبعد 3 أشهر من نزولى الى مدينة أسيوط سمعت عن الشيخ عبد الخالق , امام مسجد كبير بشارع الجمهورية بأسيوط .. يدعى أنه يوحى اليه وأن سيدنا جبريل وسيدنا محمد يزورانه فى اليقظة وأن سيدنا أبوبكر وسيدنا عمر يأتيان اليه فى أوقات خاصة وأنه يرى الملائكة وأنه يخاطب الله ... لا اله الا الله
لم أستطع أن أكمل السماع عن هذا الرجل .. كان لابد من زيارته فى مسجده لتكون مواجهة الحقائق عياناً بياناً ,,, وقد كان
ذهبت بصحبة اثنين من أصدقائى الى مسجده فى صلاة العشاء .. كالعادة تحذير منهم الى بأن ألتزم الأدب والا أظهر اى رد فعل تجاه أى فعل غريب أراه هناك , بالاضافة الى تنبيه آخر بان أعيد الصلاة بعد عودتى لأن هناك فتوى من أحد العلماء ببطلان الصلاة وراء هذا الشيخ !!ـ
دخلت المسجد فوجدت كرنفالاً من المجتمع المصرى ( أساتذة جامعة وطلاب وضباط شرطة وعمال وأطباء مشهورين وفلاحين ونساء وأطفال , ... و ... الخ ) .. كل ما تتوقع ومالا تتوقع
ثم لمحت غرفة الامام فوجدت عجباً .. اذ يقف أمامها ـ عفواً ـ يسجد أمامها شاب فى العشرينات من عمره .. يسجد للامام , او بمعنى اصح يسجد لباب غرفة الامام .. على بعد متر أخر من الباب تلتف مجموعة كبيرة من الناس يلهثون بالدعاء ,, لا أعلم دعاء من : الله أم الشيخ أم باب غرفة الشيخ
كان مشهداً صادماً لى لم اتمالك معه نفسى فشعرت بانقباض شديد فى قلبى مصحوباً برعشة فى جسدى ,, وكان صديقاى يمسكون بى على الجانبين , ربما لأنهم يشعرون بما أشعر ويحتاجون الى التماسك الجماعى ... ـ
وسط هذه الحالة من الذهول رأيت رجلاً يقترب منا ومعه ( اربة ) بها ماء ومد يده الينا بأكواب من هذا الماء فأخذ صديقاى ورفضت أنا تناولها فغمزنى صاحبى وأصر على ان أشرب منها فشربت , ولما عاتبته بعدها قال لى ان هذه المياه ( مباركة ) قد وضع الشيخ عبد الخالق فيها يده , وأن عدم تناولها كان سيثير انتباه الناس الينا وسط ( المريدين ) وسيحذروننا من من مغبة هذا الرفض الذى سيقتضى حرماننا من البركة المقدسة طوال حياتنا , المهم اننى نسيت هذه الكلمات ,,, نسيتها كلها وبقى عالقاً فى ذهنى ان الشيخ وضع فيها يده , لقد اصابنى (مغص) فى حينها
كان أكبر همنا اذاً ألا نظهر كالغرباء فى المسجد وألا يصدر منا أى فعل غريب يلفت الانتباه الينا خاصة ونحن مستنكرين كل ما يحدث حولنا
ثم أقيمت الصلاة , وما أدراكم ما الصلاة
وقف رجل على يسارى ووقف صاحبى على يمينى , كان الرجل مستمتعاً جداً بتلاوة الشيخ ـ أو قل بغناء الشيخ ـ اذ كان يقرأ القرآن بطريقة غريبة جداً من حيث التلحين والوقفات والتقسيم .. الحقيقة لا أستطيع أن أصف ذلك كتابة , وكان الرجل يقوم بحركات غريبة بيديه ( من أثر الخشوع ) وكأنه مايسترو يقف على خشبة مسرح ينظم اللحن
رغم ذلك فان الأكثر غرابة هم النساء فى المسجد ,, اذ كان يفصلنا عن حاجزهم بضعة أمتار قليلة وبمجرد أن بدأ الشيخ بالقراءة حتى دوت أصوات عنيفة وصاخبة من الصراخ والبكاء والعويل ( ايضاً من أثر الخشوع ) ـ
لما انتهت الصلاة وهممت بالخروج استرعى نظرى ذلك الطفل فى الخامسة او السادسة من عمره الذى اخترق الصفوف والحشود الملتفة حول الشيخ لتأخذ البركة , وأخذ يقبل يد الشيخ بشدة رافضاً دعوات المحيطين بالتمهل والابتعاد والاكتفاء , هذا المشهد أثار فى داخلى أسئلة حائرة .. ماذا يعرف هذا الطفل عن الشيخ ؟؟ وماذا يظن أنه سيستفيد من تقبيل يده ؟؟ من الذى علمه هذا ؟؟ بل من الذى رباه على ذلك ؟؟
عند باب المسجد انتظرت خروج الشيخ الى الشارع , ووجدت سيارة مرسيدس تفتح أبوابها له ورجل طويل وعريض وضخم يستقبل الشيخ .. كان هذا هو الحارس الشخصى للشيخ عبد الخالق كما علمت بعد ذلك .. ـ
هذا ما رأيت .. اما ما سمعت فأوله , أنه فى حلقته المسجدية قال : دخلت فى فؤاد أم موسى فسألنى ربى : كيف وجدته يا عبد الخالق , قلت : وجدته فارغاً يارب !! , وثانيها أنه قال أن سيدنا محمد جاءه فى الصلاة فتأخر عن القبلة وقدمه ليصلى اماماً فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : أنت أولى بها يا عبد الخالق وقدمه مرة أخرى ,, وثالثها أنه ادعى أن سيدنا ابوبكر وسيدنا عمر زاراه فى منزله ويقرءون المصلين السلام ,, ورابعها انه ادعى أن جبريل يحدثه من وقت الى آخر وأن أحداً لا يستطيع رؤيته او سماع صوته سواه
وسمعنا الكثير والكثير مما لا ينبغى ذكره ومما لا أستطيع وصفه كتابة , ولا حول ولا قوة الا بالله العظيم
سوف يظل الشيخ عبد الخالق ذكرى خالدة فى ذهنى للأبد كحالة نادرة فى حياتى لم أر مثلها .. آسفاً أن يكون فى مصر مثل هذا الشيخ الذى يسيئ الى الصوفية التى يدعى تمثيلها والى الاسلام الذى لا يعرف هذه الخرافات , ويخدع آالاف المصريين من مريديه وأنصاره بقصصه الوهمية التى ما أنزل الله بها من سلطان .. وآسف لشعب جاهل يجرى خلف السراب !!!! ـ
*****************************************
الجزء الثالث والأخير : ـ
* فى وداع أسيوط